*`• الرجـξ ـﮧ •´ *
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم من الجن والانس إلى قيام يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
قال تعالى :
(أيَحسَبُ الاِنسانُ أن يُتركَ سُدىً * ألم يَكُ نُطفَةً مِنْ مَنيٍّ يُمنى * ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلقَ فَسَوى* فَجَعَلَ مِنهُ الزَوجَينِ الذَكَرَ والاُنثى * أليسَ ذلكَ بقادرٍ على أن يُحيي الموتى ).
روى سعد بن عبدالله الاَشعري بالاسناد عن بريدة الاَسلمي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « كيف أنت إذا استيأست أُمتي من المهدي ، فيأتيها مثل قرن الشمس ، يستبشر به أهل السماء وأهل الاَرض ؟ فقلت : يا رسول الله بعد الموت ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : والله إنّ بعد الموت هدىً وإيماناً ونوراً . قلت : يارسول الله ، أي العمرين أطول ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : الآخر بالضعف »
وقال أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « أيُّها الناس ، إنّا خلقنا وإياكم للبقاء لا للفناء ، لكنكم من دار إلى دار تنقلون ، فتزوّدوا لما أنتم صائرون إليه »
الرجعة في اللغة :
العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت .
قال الجوهري والفيروزآبادي : فلان يؤمن بالرجعة ، أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت
ويُطلق على الرجعة الكرّة أيضاً : وفي حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام : « وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول »
الرجعة عند الشيعة الاِمامية :
إنَّ الذي تذهب إليه الاِمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام ، هو نفس المعنى المحقّق في اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى يُعيد قوماً من الاَموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة في صورهم التي كانوا عليها ، فيعزّ فريقاً ويذلُّ فريقاً آخر ، ويديل المحقين من المبطلين ، والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد (عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام) الذي يملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً ، ولذلك تعدُّ الرجعة مظهراً يتجلى فيه مقتضى العدل الاِلهي بعقاب المجرمين على نفس الاَرض التي ملأوها ظلماً وعدواناً .
ولا يرجع إلاّ من علت درجته في الاِيمان ، أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور ، وما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمنّي هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع ، فنالوا مقت الله ، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون : ( قَالُوا رَبنَا أمَّتنَا اثنَتينِ وأحييتَنَا اثنتينِ فاعتَرفنَا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُروجٍ مِنْ سَبِيلٍ )
أدلة الرجعة :
أورد الحر العاملي في الباب الثاني من كتابه (الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) اثني عشر دليلاً على صحة الاعتقاد بالرجعة ، وأهم ما استدل به الاِمامية على ذلك هو الاَحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والاَئمة عليهم السلام المروية في الكتب المعتمدة ، وإجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة حتى أصبحت من ضروريات مذهب الاِمامية عند جميع العلماء المعروفين والمصنفين المشهورين ، كما استدلوا أيضاًبالآيات القرآنية الدالة على وقوع الرجعة في الاُمم السابقة أو الدالة على وقوعها في المستقبل إما نصاً صريحاً أو بمعونة الاَحاديث المعتمدة الواردة في تفسيرها ، وفيما يلي نسوق خمسة أدلة نبدأها بالاَدلة القرآنية :
أولاً : وقوعها في الاُمم السابقة :
سُنَّةَ اللهِ في الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبدِيلاً
إحياء قوم من بني إسرائيل :
قال تعالى : ( ألم تَرَ إلى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيارِهِم وَهُم أُلُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فَقَالَ لَهُم اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم إنَّ اللهَ لذُو فَضلٍ على النَّاسِ وَلَكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لايَشكُرُونَ )
إحياء عزير أو أرميا :
قال تعالى : ( أو كالَّذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عُرُوشِهَا قال أنَّى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتِها فأماتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بعثهُ قال كم لَبِثتَ قال لَبِثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قال بل لَبِثتَ مائةَ عامٍ فانظُر إلى طعامِكَ وشرابِكَ لم يتسنَّه وانظُر إلى حمارِكَ ولنجعَلَكَ آيةً للنَّاسِ وانظُر إلى العِظَام كيفَ نُنشِزُها ثُمَّ نكسُوها لَحمَاً فلمّا تَبينَ لهُ قال أعلمُ أنَّ اللهَ على كُلِّ شيءٍ قديرٌ )
إحياء سبعين رجلاً من قوم موسى عليه السلام:
قال تعالى : ( وإذ قُلتُم يا مُوسى لَنْ نُؤمنَ لكَ حتى نرى اللهَ جَهرَةً فأخَذَتكُم الصَّاعِقَةَ وأنتُم تنظُرُونَ * ثُمَّ بعثناكُم مِنْ بَعدِ موتِكُم لَعَلَكُم تَشكُرُونَ )
المسيح عليه السلام يحيي الموتى :
قال تعالى لعيسى عليه السلام : ( وإذ تُخرِجُ الموتى بإذني )
إحياء أصحاب الكهف :
وَلَبِثُوا في كَهفِهِم ثَلاثَ مائةٍ سِنينَ وازدادُوا تِسعاً )
إحياء قتيل بني إسرائيل :
قال تعالى ( فَقُلنا اضرِبُوهُ بِبَعضِهَا كَذلِكَ يُحيي اللهُ الموتى ويُريكُم آياتِهِ لَعَلَّكُم تَعقِلُونَ )
إحياء الطيور لاِبراهيم عليه السلام بإذن الله :
قال سبحانه : ( وإذ قالَ إبراهيمُ ربِّ أرِني كيفَ تُحيي المَوتى قالَ أوَلَمْ تُؤمِنْ قالَ بلى ولكِن لِيطمئنَ قَلبي قَالَ فَخُذ أربعةً مِنَ الطيرِ فَصُرهُنَّ إليكَ ثُمَّ اجعل على كُلِّ جَبلٍ مِنهُنَّ جُزءاً ثُمَّ ادعهُنَّ يأتِينَكَ سعياً واعلم أنَّ اللهَ عزيزٌ حَكيم)
إحياء ذي القرنين :
اختلف في ذي القرنين فقيل : إنّه نبي مبعوث فتح الله على يديه الاَرض ، عن مجاهد وعبدالله بن عمر . وقيل : إنّه كان ملكاً عادلاً . وروي بالاِسناد عن أبي الطفيل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : « إنّه كان عبداً صالحاً أحبَّ الله فأحبّه وناصح الله فناصحه ، قد أمر قومه بتقوى الله ، فضربوه على قرنه فمات ، فأحياه الله ، فدعا قومه إلى الله، فضربوه على قرنه الآخر فمات ، فسميَّ ذا القرنين »
إحياء أهل أيوب عليه السلام :
قال تعالى : ( وآتيناهُ أهلَهُ وَمِثلَهُم مَعَهُم )
ثانياً : الآيات الدالة على وقوعها قبل القيامة :
وإذا وقعَ القولُ عَليهم أخرَجنا لَـهُم دابَّةً مِنَ الاَرضِ تُكَلِّمُهُم أنَّ الناسَ كانُوا بآياتِنا لا يُوقِنُونَ * ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ممن يُكذِّبُ بآياتِنا فَهُم يُوزعُونَ * حتَّى إذا جاءُوا قال أكذّبتُم بآياتي ولم تُحيطُوا بها عِلماً أمَّاذا كُنتُم تَعملُونَ)
استدلال الاَئمة عليهم السلام :
فقد روي عن أبي بصير ، أنّه قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « ينكر أهل العراق الرجعة ؟ » قلتُ : نعم ، قال : « أما يقرأون القرآن ( ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فوجاً ) ؟ »
الرجعة خاصة :
الرجعة خاصة بدلالة قوله تعالى: ( ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمةٍ فوجاً ) (وحرامٌ على قريةٍ أهلكنَاها أنهُم لا يرجِعُونَ
من هم الراجعون ؟
من حصيلة مجموع الروايات الواردة في هذا الباب نلاحظ أنّها تنصّ على رجعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام والاِمام الحسين عليه السلام وكذلك باقي الاَئمة والاَنبياء عليهم السلام
وتنصّ كذلك على رجعة عدد من أنصار الاِمام المهدي عليه السلام ووزرائه ، وبعض أصحاب الاَئمة وشيعتهم (4)، ورجعة الشهداء والمؤمنين ، ومن جانب آخر تنصّ على رجعة الظالمين وأعداء الله ورسوله وأهل بيته عليهم السلام وخصوم الاَنبياء والمؤمنين ، ومحاربي الحق والمنافقين ، وجميع هؤلاء لا يخرجون من الصنفين المذكورين في الحديث المتقدم
هل ثمة رجعة بعد عصر الظهور ؟
وقد روي عن الاِمام الباقر عليه السلام أنّه قال : « أيام الله ثلاثة : يوم يقوم القائم، ويوم الكرة ، ويوم القيامة »
وهو يدلُّ على أنَّ هناك كرة بعد عصر الاِمام صاحب الزمان عليه السلام ، ويستفاد من روايات الرجعة أنّ لاَمير المؤمنين علي عليه السلام كرات عدة ، وأنّ الاِمام الحسين عليه السلام يكرُّ بعد عصر الظهور
« لكلِّ أُناسٍ دولةٌ يرقبونها * ودولتنا في آخر الدهر تظهرُ »
مناظرات واحتجاجات
1 ـ احتجاج أمير المؤمنين علي عليه السلام :
روى الحسن بن سليمان الحلي بالاسناد عن الاَصبغ بن نباتة ، قال : إنّ عبدالله بن الكواء اليشكري قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين ، إنَّ أبا المعتمر تكلّم آنفاً بكلام لا يحتمله قلبي .
فقال عليه السلام : « وما ذاك ؟
قال : يزعم أنك حدّثته أنّك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إنّا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سناً من أبيه ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فهذا الذي كبر عليك ؟
قال : نعم ، فهل تؤمن أنت بهذا وتعرفه ؟
فقال عليه السلام : نعم ، ويلك يا ابن الكواء ، إفقه عني أُخبرك عن ذلك ، إنّ عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها ، وله يومئذٍ خمسون سنة ، فلمّا ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بذنبه أماته مائة عام ثم بعثه ، فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة ، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة ، وردَّ الله عزيراً في السنَّ الذي كان به .
فقال : أسألك ما نريد ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : سل عمّا بدا لك .
فقال : نعم ، إنَّ أُناساً من أصحابك يزعمون أنّهم يردّون بعد الموت .
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : نعم ، تكلم بما سمعت ولا تزد في الكلام ، فما قلت لهم ؟
قال : قلت : لا أُؤمن بشيء ممّا قلتم .
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك إنَّ الله عزَّ وجلَّ ابتلى قوماً بما كان من ذنوبهم ، فأماتهم قبل آجالهم التي سمّيت لهم ثم ردَّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم ، ثمّ أماتهم بعد ذلك .
قال : فكبر على ابن الكواء ولم يهتد له ، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك تعلم أنّ الله عزَّ وجلَّ قال في كتابه : ( واختارَ موسى قومَهُ سَبعِينَ رجُلاً لِميقَاتِنَا ) (1) فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملاَ من بني إسرائيل إنَّ ربي قد كلمني ، فلو أنهم سلّموا ذلك له ، وصدّقوا به ، لكان خيراً لهم ، ولكنهم قالوا لموسى عليه السلام : ( لن نُؤمِنَ لكَ حتى نرى الله جهرةً ) قال الله عزَّ وجلَّ ( فاخذتكُم الصَّاعِقَةُ ) يعني الموت ( وأنتم تنظُرون * ثُمَّ بعثناكُم من بعدِ موتكم لعَلكم تشكُرونَ ) (2).
أفترى يا ابن الكواء أنَّ هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعدما ماتوا ؟
فقال ابن الكواء : وما ذاك ، ثمَّ أماتهم مكانهم ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ويلك ، أوليس قد أخبرك الله في كتابه حيث يقول : ( وظَللنَا عليكُمُ الغَمامَ وأنزَلنا عليكُمُ المنَّ والسَّلوى
فهذا بعد الموت إذ بعثهم ، وأيضاً مثلهم يابن الكواء الملاَ من بني إسرائيل حيثُ يقول الله عزَّ وجل : ( ألم ترَ إلى الَّذينَ خرجُوا مِن دِيارِهِم وهُم ألوفٌ حذَرَ الموتِ فقالَ لهُم اللهُ موتُوا ثُمَّ أحياهُم )
وقوله أيضاً في عزير حيثُ أخبر الله عزَّ وجلَّ فقال : ( أو كالَّذي مَرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قالَ أنى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتِها فأماتَهُ اللهُ ) وأخذه بذلك الذنب ( مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعثَهُ ) وردّه إلى الدنيا ( قالَ كم لَبثتَ قالَ لبثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قالَ بل لبثتَ مائةَ عامٍ ) (2) فلا تشكنَّ يا ابن الكواء في قدرة الله عزَّ وجل »
وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه ركب بعد انفصال الأمر من حرب البصرة فصار يتخلل بين الصفوف حتى مر على كعب بن سورة وكان هذا قاضي البصرة ولاه إياها عمر بن الخطاب، فأقام بها قاضيا بين أهلها زمن عمر وعثمان، فلما وقعت الفتنة بالبصرة علق في عنقه مصحفا وخرج بأهله وولده يقاتل أمير المؤمنين، فقتلوا بأجمعهم فوقف عليه أمير المؤمنين عليه السلام وهو صريع بين القتلى، فقال: أجلسوا كعب بن سورة، فأجلس بين نفسين، وقال له: يا كعب بن سورة، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا كعبا. وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد الله صريعا، فقال: أجلسوا طلحة، فأجلسوه، فقال: يا طلحة، قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدت ما وعدك ربك حقا؟ ثم قال: أضجعوا طلحة، فقال له رجل من أصحابه: يا أمير المؤمنين، ما كلامك لقتيلين لا يسمعان منك؟ فقال: مه يا رجل، فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع أهل القليب كلام رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا من الأخبار الدالة على أن بعض من يموت ترد إليه روحه لتنعيمه أو لتعذيبه، وليس ذلك بعام في كل من يموت، بل هو على ما بيناه.
الفصول المختارة- الشيخ المفيد ص 153، 157: فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه: في الرجعة
الرّجعة وظهور المهدي المنتظر (عجل الله فرجه):
توهّم بعض الجهلاء أنّ ظهور الإمام المهدي بعد غيبته هو الرّجعة بعينها، والأمر ليس كذلك إذ لا تعني الغيبة في نظر الشيعة إلاّ حضّوره (عليه السلام) في هذا العالم المادي على صورة شخص لا يعرفه الناس.
فالشيعة إذن يعتقدون بأنّ المهدي (عليه السلام) حيّ يرزق، وهم ينتظرون ظهوره (عليه السلام)، أمّا الرّجعة فتعني: إحياء جماعة من المؤمنين والكافرين وإعادتهم إلى هذه الدنيا. ولا علاقة لها بالغيبة بأيّ شكلٍ من الأشكال،
العودة الى الحياة
كـان لى صـديـق عـاد الى الدنـيـا بـعـد ان مـات وعـاش اعـوامـا ، وقـد نقل لى كيفية احتضاره ونزع روحه ؛ قال :
كـنـت مـثـابـرا على تزكية نفسى سنين عند استاذ فى الاخلاق ، حتّى تجرّد قلبى من حبّ الدنيا قليلا . واتّضح لى الامـر تـماما انّ الدنيا سجن وسبب كلّ داهية وبلاء لاولياء اللّه . اصبت آنذاك بجلطة دموية مباغتة ، ورايت باءمّ عينى مـلكـا يـحـلّق فـى الفضاء كما يحلّق الطير ، وحطّ على الارض ومسك عنقى بيده ، واستلّ روحى من جسمى كما ينزع الانسان ثوبه من جسمه ، وتركنى لحظات جنب جسمى . غمرنى حبور وسرور لمّا تحرّرت من نير الجسم ؛ لكونى ثابرت على تزكية نفسى وعزفت عن الدنيا . وفى هذا الاثناء رايت نفسى فجاءة وسط واحة مترامية الاطراف ، إ لاّ انـّهـا تـحفل بالزهور والبلابل ؛ مارات عيناى نظيرا لها فى حياتى قط . وحينما ادرت طرفى نحو جسمى رايته يـبـعـد عـنـّى مـسـافـة طـويـلة . ورايـت عـن بـعـد الدكـتـور ( . . . ) يـجـرى عـمـليـة التنفّس الصناعى على جسمى ، ويـحـاول جـاهـدا إ رجـاع روحـى إ ليـه . وفـى ذلك الحـيـن تذكّرت ايّام صباى ، وكان لى عصفور طار من قفصه ، فـنـثـرت الحـبّ ووضـعـت المـاء فـى قـفـصـه ؛ لاغـريـه بـالعـودة إ ليـه ثـانـيـة ، كـمـا يـفـعـل الطـبـيـب لا رجـاع روحـى الى جـسـمـى . ولكـنـّه لم يـدخـل القـفص ، وانا ايضا ما عدت الى جسمى ثانية مهما حـاول الطـبـيـب . بـيـد انـّى رايـت نـفـس ذلك المـلك قـد دنـا مـنـّى حـيـنـمـا كـنـت جالسا بين الزهور الجميلة قرب ماء سلسبيل وفى احضان حورالعين ، وقال لى بخشوع وخنوع :
عليك الرجوع الى جسمك ثانية استجابة لدعاء جمع من اصدقائك وتوسّل زوجتك ، وعش بضع سنوات بين اصدقائك وفى كنف زوجتك . اصبح حالى آنذاك اسوء بكثير من حـال مـن اطـلق سـراحـه مـن زنـزانـة ، ووكـل إ ليـه مـركـز خـطـيـر ومـنـصـب كـبـيـر ، ولكـنـّه يـقـال فـورا من منصبه ، ويعزل ويساق ثانية الى تلك الزنزانة . احسست باءنّى اعود الى جسمى مرغما ، فعدت إ ليـه دون ان انـبـس بـبـنـت شـفـة ، او ابدى اعتراض على الرغم من كونى ممتعضا من ذلك ، فجلست وانا انشج نشيجا عاليا ؛ لما دخلنى من حزن و غم . وكان حولى لفيف من اصدقائى وهم فى فرح وسرور ؛ لعودتى إ ليهم ثانية حـيّا ، ولكنّى كنت امقتهم وامقت زوجتى ايضا ؛ لانّهم كانوا السبب فى عودتى الى السجن ، وحرمانى من تلك النعمة والبـهـجة . إ نّهم هم الذين سلبوا حرّيتى ، وجعلونى اعانى عذاب الدنيا ونصبها ثانية . اصبحت بعد ذلك اليوم اعـدّ السـاعات املا فى الرجوع مرّة اخرى الى تلك السعادة واللذّة والحرية . وما اصبحت اطيق عملا سوى إ رضاء خالقى اكثر فاءكثر ، واضحى ديدنى إ سداء المعروف والانقطاع الى اللّه .
كتب الدكتور ( ريمون مودى ) فى كتابه المشهور ( الحياة بعد هذه الحياة ) الذى ترجم الى لغات مختلفة قصصا كـثـيـرة حـول انـاس مـاتـوا ثـمّ عـادوا الى الدنـيـا ثـانـيـة . وذكـر نـقـلا عـن هـؤ لاء حـالات الروح فـى حـال الاحـتضار وبعد الموت ولحظات النزع الاخيرة ، إ ن اتينا على ترجمتها فسيتكوّن كتابا مستقلاّ بنفسه . ولعلّ مـطـالعـة تـلك المـواضـيـع وعـدم الالمـام بـعـقـائد اولئك الذيـن مـاتـوا ثـمّ عـادوا الى الدنـيـا ثـانـيـة ، واحـتـمـال انـهـم غـيـر مـسـلمـيـن يكون مدعاة لان ينحى علينا المتدينون الملتزمون باللائمة مع عدم إ دراكهم لصلب الموضوع . ولذا نحجم عن ذكر تلك القصص ، وخصوصا انّنا عايشنا وسمعنا حكايات تحاكى تلك الحكايات .
ذكـر ( فـلامـاريـون ) المـنـجـّم والعـالم الشـهـيـر قـصـّة طـويـلة فـى الصفحة ( 246 ) من كتاب ( الروح ) قصّها رجـل يدعى ( لومن ) مات فى العام الثانى والسبعين من عمره ، وافشى من خلالها اسرار ما بعد الموت لصديقه ( كارنس ) .
قصّة عجيبة من عالم البرزخ
صدم شابّ يقود سيّارته صدمة شديدة اودت بحياته . يدعى هذا الشابّ ( محمد شوشترى ) ، يسكن ابواه طهران . وقـد نـقـل لاحـد اصـدقـائه بـعـد مـوتـه قـصـّة عـجـيـبـة مـن عـالم مـا بـعـد المـوت ، خـلال عـشـر ليـالٍ ، ويـسـتـغـرق سـردهـا فـى كـلّ ليـلة بـضـع دقـائق . وكـان يـراه اوّل الامـر فـى الحـلم ، ثـمّ رآه بـيـن اليـقـظـة والنـوم ، واخـيـرا اتـّصل به فى اليقظة . وكانت جميع فصول القصّة تطابق آخر ما اتّفق عليه علماء علم الروح من جهة والاحاديث الدينية من جهة اخرى .
قـال صـديـقـه المـعـروف فـى الاوسـاط العـلمـيـة والثقافية :
رايته فى الحلم ليلة اصطدامه وانا لا اعلم بخبر وفـاتـه . اقـبـل علىّ مسرعا وهو فرح مستبشر وقال :
لقدمتّ ! اريد ان اخبرك بما جرى علىّ بعد موتى كلّ ليلة مدّة بضع دقائق . اترغب فى ذلك ؟ إ نّه درس مفيد لك جدّا .
قلت :
حسنا ، كلّى آذان صاغية .
قـال :
لا يـمـكـن ذلك هـنـا ، تـعـال مـعـى لنذهب الى قصر سكنته اليوم ، ونجلس هناك على الارائك ، ونتّكى ء على الوسائد ، ونتناول الفواكه والنقل ، وساءقصّ عليك حينذاك ماجرى علىّ بعد الموت .
قـلت :
هـيـّابـنـا . سـرنـا مـعـا حـتّى وصلنا الى باب بستان كبير . وكان الباب مصنوعا من الذهب والفضّة ومطعّما بـالجـواهـر . فـتـح البـاب بـإ شـارة وإ رادة خـاصـّة دون ان يـطـوّل يـده ويـفـتـحـه ، كـمـا لو اراد إ نـسـان ان يـطـوّل يده فتطول . دخلنا البستان واتّجهنا مباشرة صوب قصر مشيّد فى الوسط . وسوف اصف لكم البستان لاحـقـا اثـنـاء حـديـثى . وامّا القصر فله غرف كثيرة يتوسّطها بهو كبير ، ووضعت فى جوانب البهو ارائك وثيرة يـكـسـوهـا مـخـمـل نـاعـم . قـعـدنـا عـلى اريـكـة فـى إ حـدى جـنـبـاتـه . رآنـى مـشـغـوفـا بجمال البستان وروعة القصر ، ممّا يصرفنى عن الانتباه لحديثه .
فقال :
إ ن تعرنى سمعك فساءبدا بسرد قصّتى .
قلت :
حسنا ، لك ذلك . انتبهت لحديثه ووعيت ما قاله ، وحينما انتبهت من النوم كتبت ما حدّثنى به ، وها هو بين يديك .
قـال :
اريـد ان ابـيـّن لك فـى البـدايـة انّ افـضـل موت لمن اعرض عن الدنيا وزكّى نفسه هو موت الفجاءة ((71))
؛ لانّى حينما اصطدمت بسيارتى ما ادركت انّى متّ إ لاّ بعد ما نظرت الى جسمى ، ورايت المقود قدصكّ صدرى بشدّة ممّا تسبّب فى انفراء قلبى . وفى هذا الاثناء رايت شابا وسيما لا ادرى ايّان ظهر لى ؛ تزامنا مع موتى ام بعده ، لانّ انتزاع روحى قد تمّ بسرعة خاطفة . اخذ بيدى وقـادنـى الى نـاحـيـة . حـيـيـتـه فـردّ التـحـيـّة بـاءحـسـن مـنـهـا وهـو يـبـتـسـم ثـمـّ قال :
لا تخف ، انا اراف بك من غيرى ؛ لانّك من اولياء موالىّ وساداتى ! قلت :
ومن هم مواليك وساداتك ؟ قـال :
انا مولى آل نبىّ الاسلام ، وهم رفقائى ايضا ! جئت لاصحبك إ ليهم ، إ نّهم قالوا لى :
إ جلبه لنا ، فجئت لا ستقبالك قلت :
من انت ؟ قال :
انا ملك الموت ! قـلت :
وصـفـوك فـى الدنـيـا بـوصـف آخـر ، فـقـد قـال الخـطـبـاء :
إ نّ مـلك المـوت يعامل الناس بفظاظة وقسوة بالغة ، ولكنّى اراك عطوفا شفوقا .
كـانـت عـينا ملك الموت جميلتين جدّا وواسعتين وذات اهداب طويلة ، وكان يبدو عليه الوقار ويشعّ محيّاه نورا . رمقنى بـنـظـرة يـخـامـرهـا الودّ ، وقـال بـحـياء بالغ :
إ نّ ما تقوله صحيح ، فبعضنا يضطرّ احيانا الى اتّباع الشدّة والصـرامـة مـع اعـداء شـيعة اهل البيت ومع من انكبّ على الدنيا انكبابا ، فهذا مايعنيه الخطباء . إ نّ اللّه تعالى لم يـخـلقـنـى ومـن كـان فـى زمـرتـى شـديـدى المـراس عـبـثـا ، ولم يجبلنا على الشراسة التى هى صفة حيوانية ، بـل نـحـن نـفـتـخـر بـكـونـنـا خـدّام اهـل البـيـت ( عـليـهـم السـّلام ) مـثـل جبرئيل ؛ إ ذ نقتدى بهديهم ونسير على دربهم ، وما احسن نهجهم واعظم خلقهم ! وهـنا استيقظت من النوم ودوّنت كلّ ما حدّثنى به السيد ( محمّد شوشترى ) . وخرجت من البيت إ ثر ذلك فزعا ؛ لانّى مـا كـنـت اعـلم بـخـبر وفاته ، فاتّجهت صوب منزله مباشرة . فرايت اهله قد بلغهم نعيه للتوّ ، ورزئوا بموته رزءا عظيما . وفى اليوم التالى عمدت الى عرض ما قاله لى على الاحاديث الواردة فى الجزء السادس من كتاب بـحـار الانـوار ، وقـارنته مع آراء علماء الغرب وغيرهم الواردة فى كتاب ( عالم ما بعد الموت ) وكتاب ( الانسان روح لاجـسـد ) وكـتـاب ( عـالم مـاوراء القـبـر ) ومـع كـتـب اخـرى ، فـرايـتـه مـوافـقـا لهـا تـمـامـا . اصـبـحت انتظر حـلول الليـل بـفـارغ الصـبـر ؛ لكـى انـام واراه فـى الحلم ، ويوافينى باءخبار ما بعد هذا العالم . فقد وعدنى بـدوام ذلك مـدّة عـشـر ليـال ، وخـصـوصـا انـّى تـاءكـّدت من صدق رؤ ياى ؛ إ ذ كنت لا اعلم بوفاته ولا اصطدام سيّارته مع سيّارة اخرى .
خلدت الى النوم فى الساعة العاشرة ليلا ، فرايته امامى وانا لم انم بعد ، إ لاّ انّ النعاس كاد يدبّ فى جفنى ، فكنت فى خلسة كما يصطلح عليها ، او فى حالة بين النوم واليقظة .
قال لى :
اانت مستعد لسماع بقيّة قصّتى ؟ قلت :
كنت بانتظارك .
قـال :
إ نّك لم تتاءهّب بعد حتّى آتيك قبل هذا الاوان ، فلاتستطيع ان ترانى فى اليقظة . عليك بالصبر ريثما تنام وتنعتق روحك من نير جسمك وتكون نظيرى ؛ لكى يمكننى الحضور عندك .
واخـيـرا قـال :
انـطـلق بـى ذلك الشـابّ الوسـيـم - اعـنـى مـلك المـوت - بـرفـق وحـنـان لانـظـيـر لهـمـا نـحـو آل محمّد ( عليهم السّلام ) . وفى اثناء الطريق لاح لى شابّان جميلان كصاحبى ، فاءدركت انّهما ( منكر ) و( نكير ) او ( مبشّر ) و( بشير ) . ساءلانى ببضعة اسئلة يسيرة ، ثمّ سمحا لى بمواصلة طريقى .
ساءلت ملك الموت قائلا :
وماذا عن سؤ ال القبر ؟ قـال :
لقـد سـؤ لت روحـك هـنـا فـوق قـبـرك ؛ لانّ جـسـدك قـد تـقـطـّع إ ربـا إ ربـا ، وهـذا بـمـثـابـة سـؤ ال القبر .
قلت :
اين قبرى ؟ قال :
هنا ، واشار بيده الى الارض .
نـظـرت فـرايـت جـسـدى تـحـت الثـرى ، فـمـررت بـجـسـدى المـبـضـّع وانـا فـى طـريـقـى الى اهـل البـيـت ( عـليـهـم السـّلام ) . كـدت ان احـزن واكـتـئب إ لاّ انّ مـلك المـوت بـادرنـى بـالقـول :
هـيـّا بـنـا نـذهـب ، لا تـشـغل نفسك بذلك ، إ نّ ما تريد ان تراه اليوم يشغلك عمّا سواه . وصلنا كلمح البصر الى رحاب النبىّ الاكرم وفاطمة والائمّة الطاهرين ( عليهم السّلام ) ، وودّعنى وانصرف ، فبقيت مع هؤ لاء الصفوة .
وهـنـا جفلت فجاءة ممّا اعترانى بين النوم واليقظة ، وحاولت ان ارى ( محمد شوشترى ) ثانية ، ولكنّى لم افلح .
وحـينما رجعت الى الروايات ؛ لارى مدى صدق ما رايته فى الليلة الثانية - اى رؤ ية المعصومين - وجدت انّ ذلك مـطـابق لما نقل عن الائمة الطاهرين ومصداق لما قاله . ومن هذه الروايات مثلا الرواية الاولى والثانية والثالثة ، ومن الرواية الخامسة الى الرواية العاشرة وغيرها للباب السابع من ( ابواب الموت ) فى كتاب ( بحارالانوار